أعلام من ديرالزور والفرات والجزيرة
الفنان والملحن والباحث الموسيقي:يحيى عبدالجبار الرباح – بقلم خليل عبد اللطيف
الموسيقار والشاعر: يحيى عبد الجبار

الفنان والملحن والباحث الموسيقي
يحيى عبدالجبار الرباح

*الفرات واهب الفن والابداع الحقيقي النظيف والأصيل ، راسخا متألقا ، باسقاً كأشجار النخيل ، يمنح عظمة القصيدة ، وروعة القصة ، وجمال اللوحة ، وسحر النغم …..
وممن وهبهم الله الموهبة وعطاء الفرات وكرمه فأخلص له الحب بالعشق فناننا القدير يحيى عبد الجبار:

من مواليد دير الزور ١٩٦٠،
تعلم في مدارسها.. والتحق في المعد الرياضي في حلب.
بدأ عازفاً منذ بداية الشباب في السبعينيات،
وبعد تخرجه عاد إلى دير الزور ليعمل بالبحث والتطوير للغناء التراثي الفراتي مع المحافظة على أصالتها.
لم تجذبه اغراءات العاصمة وغيرها لتحقق له الانتشار السريع والمردود المالي, دفعه عشقه للفرات إلى المزيد من العطاء والابداع والبحث والتقصي عن الأغاني التراثية الفراتية المحققة لشروط المعنى والمبنى والموسيقا التي فيها الكثير من البوح والجمال والبراعة في الألفاظ والمعاني الزاخرة بإيقاعات الحياة .

فبدأت رحلته الطويلة بقراءة الحاضر من نوافذ الماضي. فكانت رحلة وتجربة غنية وشاقة بدأها عازفاً في فرقة الشبيبة، قدم فيها الكثير من الأعمال والألحان الجميلة ، حاول فيها إعادة الهوية للأغنية الفراتية بشكل عام والديرية بشكل خاص، ضمن إيقاعات تتناسب مع العصر وتطور الحياة الاجتماعية والفكرية للبيئة الفراتية ، من خلال التنوع بأساليب قادرة على جذب المتفرج والعمل على تأصيلها وخلودها ، باعتبار الأغنية التراثية ظاهرة اجتماعية تعكس حياة الناس وطقوسها ، وتحقق العلاقة الجماهيرية الواسعة وتستطيع مخاطبة الأجيال الجديدة ، تخاطب العقول وتثير المشاعر والأحاسيس وتستقر بالقلب . مؤكداً على العمل الجماعي الذي لا يرتقي بالمستوى الفني إلا بتضافر جهود العاملين فيه وخصوصاً المبدعين ، من خلال التناغم والانسجام الذي يتجلى فيه الابداع والموهبة الحقيقية والتي يلتقي فيها الحوار الموسيقي مع القدرات الصوتية الخلاقة لكل فنان .

لقد شارك الفنان عبد الجبار في المهرجانات القطرية ونال عدة جوائز في العزف المنفرد على(الناي) . واتبع عدة دورات تعليمية في دمشق للعزف على الآلات الموسيقية النحاسية . فأسس أول فرقة نحاسية في الشبيبة عام ١٩٨٦ . لحن الكثير من الأغاني الوطنية والعاطفية وأغاني لفلسطين وانتفاضتها ومنها أغنية ( هاي الكاع) كلمات الأستاذ وليد علوش حيث نالت شهرة واسعة ورددها الجمهور سنوات طويلة . كذلك قدم الكثير من الأغاني مع فرقة الفرات الموسيقية بقيادة الفنان الراحل يوسف الجاسم ( أبو حياة ) . ولظروف قاهرة حلت الفرقة في بداية التسعينات حيث تفرغ للرياضة واتبع دورة مدرب وحكم في رياضة الرماية ومن خلاله نشر هذه اللعبة بدير الزور ومحاولة تأسيس نادي الرماية في المحافظة لكن حلم لم يتحقق.

عاد إلى التلحين بملحمة موسيقية غنائية لدورة الوفاء عام ١٩٩٧ وعدد من الأوبريتات ومقطوعة موسيقية مع فرقة ( فرانك ويست) الفرنسية بعنوان ( حنين الغرب) .
كان هاوياً للصيد والموسيقا والبراري ، حيث كتب ولحن معظم أغنيه في البادية ، وكذلك لشعراء دير الزور منهم الأساتذة وليد علوش، هشام سفان ، محمد عبد الحدو ، فاضل سفان ، خلف حداد ، حسان الأسمر وغيرهم..

غنى له العديد من المطربين المحليين والعرب منهم عبد السلام خضر ، عبدالقادر حناوي ، عماد الجراد ، نضال ونهاد مداد ، عمارة أنور ، عبد الرحمن خضر ، أمين ياسين ، اسكندر عبيد ، حمدان عيسى ، فرج رويلي والمرحوم محمد عثمان ، فوزي البكري…. .والمطرب العراقي الراحل فؤاد سالم ، علي العيساوي والفنانة المصرية ناديا مصطفى ونوال السالم والقائمة تطول. لكن أشهر أغانيه (وين الحمامة ، مدلل) التي غناها الكثير من مطربي الوطن العربي.
كتب الكثير من المقالات الموسيقية في جريدة الفرات وأصبح عضواً في هيئة تحرير مجلة ( واحة الفرات) وهو عضو مؤسس في جمعية العاديات بدير الزور .حصل على لقب ابن البلد في التلفزيون العربي السوري عام ٢٠٠٣. أعاد تشكيل فرقة الفرات الموسيقية لإحياء التراث الفراتي السوري وتوثيقه وتدوينه وتطويره كرئيس لهذه الفرقة استطاع من خلالها تقديم مهرجانين كل عام ، الأول يخص الأغنية الجديدة من كلام ولحن وغناء، والثاني للأغنية التراثية واحيائها التي لاقت نجاحاً باهراً داخل محافظات القطر وخارجه .

وهو الآن يعد مخطوطاً موسيقياً أخذت من وقته الكثير …عن الإرث الكبير …الأورنينا وما أورثت للفرات والجزيرة من إرثاً موسيقياً مترابطاً بكل أشكاله وألوانه الغنائية والموسيقية فقد نهلوا من بعضهم الكثير وترابطت النغمات بروح واحدة رغم الاختلاف البسيط من حيث النغمة والاختلاف اللغوي أيضاً وهذا في الموسيقا الآشورية والسريانية والكلدانية والعربية في الجزيرة السورية . امتازت الموسيقا الآشورية بالبساطة والعذوبة وترجمة الطقوس التراثية بكل أشكالها بما فيها الدينية باعتمادهم مقام البيات كثيراً في ألحانهم …وهناك أيضاً تداخل كبير بين الموسيقا الآشورية والسريانية الذي يترجم بروح الجزيرة والتعايش المشترك في الوطن الواحد . وقد نهل السريان كذلك من الموسيقا والنغمات والأحان العربية وطورها بما يناسب طقوسهم ولغتهم ومنها بعض القدود الحلبية وبلغة سريانية . أما الآشورية فتأثرها واضح بالموسيقا العراقية والتركية …ويصح القول عند سماعة الموسيقا السريانية والآشورية يذهب بك ذهنك إلى عمق التاريخ حقاً وتشعر بالطيبة والسماحة وعطر الربيع . وهناك الكثير من الأشكال والألوان الموسيقية في الجزيرة ومنها الكردية وعذوبتها والموسيقا الأرمنية وكأنها مزهرية رائعة امتلأت بالورود الجميلة.

وعن آخر أعماله الفنية والغنائية التي انتهى من تلحينها . أغنية (مشكلتك أنك قاسي) كلمات الشاعر خالد الفرج ، وأغنية ( طابت نفسي من الغربة ، فرصة سعيدة ، وأغنية وطنية أنا سوري ) وهي من كلمات الشاعر أحمد حسين العلي . وأغنية ( أحبك والله يا أسمر) كلمات الشاعر غسان علوش ، وأغاني من كلماته ( طير المغربية ، ألف موته والله أموت ، انتم ما بي مثلكم…) ومن الشعر الفصيح أغنية ( كأن الكون أورثني النعيما) كلمات الشاعر هشام سفان ، وأغنية ( لن أكون) كلمات الشاعرة نجلاء النايف وجميعها في طور التنفيذ.
لقد استطاع الفنان عبد الجبار من خلال تجربته الطويلة تحقيق جمالية صوتية ايقاعية متوازنة وخلق طقس فراتي احتفالي وجمالي بعيداً عن الاستهلاك ، تجمع بين حالة الطرب والآهات ، تكون قريبة من القلوب ومستساغة المعاني ، معتمدة على قوة الأصوات الجميلة التي تزخر فيها دير الزور.
بقلم: خليل عبد اللطيف
– الصور من أرشيف صفحة تراث دير الزور