
يأخذني الحديث عن مهنة (العرض حالات) إلى الستينيات والسبعينيات:

الباحث جودت السلمان
من يزور دير الزور لأول مرة ولا يعرف المدينة وطبيعتها ويصادف مروره من شارع القصر العدلي يخال وللوهلة الأولى أنه أمام شاطئ بحر يكتظ بالمصطافين .
نظراً لانتشار الشماسي الكبيرة والملونة على امتداد الشارع، و يقترب من المكان يتغير المشهد فكل شمسية يجلس تحتها رجل بكامل أناقته على كرسي صغير وأمامه طاولة صغيرة وفوقها أوراق ومصنفات وأقلام وطوابع وبعض الحصى المتوسطة الحجم يثّقل بها الاوراق كي لا يبعثرها الهواء ، إنهم( كتاب الإستدعايات ) .
شريحة من الناس اتخذت هذه المهنة مصدراً لرزقها , يصطفون مقابل القصر العدلي تظللهم الشماسي من حر شمس دير الزور الحارقة في فصل الصيف.
هذه المهنة في الستينيات والسبعينيات و قبل إنشاء القصر العدلي كانت السرايا تقع في الشارع العام, و تحول مكانها فيما بعد إلى( متحف دير الزور ) و كل المحاكمات والقضايا القانونية تتم بها وفي الجهة المقابلة للسرايا تنتشر دكاكين كتاب ( العرض حالات ) -مفردها عرض حال- كما كانوا يسمونها في تلك الفترة، تتوسط الدكان طاولة عليها كل ما يلزم من أوراق ومستندات وبضعة كراسي للزبائن وفي إحدى الزوايا طاولة صغيرة عليها عدة الشاي من كاسات و”جيدان” وطباخ ، وكاتب الإستدعايات في ذلك الزمن ملماً بأغلب القضايا القانونية, التي تتعلق بالمحاكمات وأصولها وبعضهم يكون مرجع ولديه خبرة أكثر من محامي في بعض الأحيان.
يتميز كاتب الإستدعى بخطه الواضح والجميل ومقدرته الإنشائية , والخط والأسلوب يلعب دوراً مهماً في رأي القاضي الذي يقرأ المعروض.
كاتب الإستدعايات لم يكن اختصاصه فقط كتابة الإستدعى بل يقوم بأكثر القضايا مثل المعاملات العقارية ومعاملات الزواج والطلاق والحج وغيره، و لهم نقابة تنظم شؤونهم ولا تسعفني الذاكرة في تذكر من كان يترأسها وعلى ما أعتقد كنيته البنكي.
..بقلم الباحث: جودت السلمان